سورة الحديد - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحديد)


        


قوله جلّ ذكره: {فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِىَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ المَصِيرُ}.
النارُ ماواكم ومصيرُكم ومُتَقَلبُكُم.
و{هي مولاكم} أي هي أوْلَى بكم، وبئس المصير!
ويقال: مخالفة الضمائر والسرائر لا تنكتم بموافقة الظاهر، والأسرار لا تنكتم عند الاختبار.
قوله جلّ ذكره: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِيِنَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذَِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهُم الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
ألم يَحِنْ للذين آمنوا أن تتواضعَ قلوبُهم وتلين لذِكْر اللَّهِ وللقرآنِ وما فيه من العِبَر؟ وألا يكونوا كالذين أوتوا الكتابَ من قبل؟ وأراد بهم اليهودَ، وكثيرٌ من اليهود فاسقون كافرون.
وأراد بطول الأمَدِ الفترةَ التي كانت بين موسى ونبيِّنا صلى الله عليه وسلم، وفي الخبر: «أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أَصابتهم ملالةٌ فقالوا: لو حَدّثْتنا».
فأنزل اللَّهُ تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر: 23]. فبعد مُدَّةٍ قالوا:
لو قَصَصْتَ علينا!
فأنزل اللَّهُ تعالى: {نَّحْن ُنَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ} [الكهف: 13] فبعد مدةٍ قالوا: لو ذَكَّرتَنا ووَعَظْتَنا!
فأنزل الله تعالى هذه السورة.
وفي هذه الآية ما يشبه الاستبطاء.
وإن قسوة القلب تحصل من اتباع الشهوة، والشهوة والصفة لا تجتمعان؛ فإذا حَصَلت الشهوةُ رَحَلت الصفوة. وموجِبُ القسوة هو انحرافُ القلب عن مراقبة الربِّ. ويقال: موجب القسوة أوَّلُه خَطْرة- فإلمَّ تُتَداركْ صارت فكرة، وإلمّ تُتدَاركْ صارت عزيمة، فإن لم تُتَدَاركْ جَرَت المخالفة، فإن لم تُتداركْ بالتلافي صارت قسوةً وبعدئذ تصيرطَبعاً ورَيْناً.


قوله جلّ ذكره: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْىِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الأَيَاتَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
يُحْيي الأرضَ بعد موتها بإنزال المطرِ عليها وإخراج النّبتِ منها. ويُحيي القلوبَ الميتةَ- بعد إعراضِ الحقِّ عنها- بحسن إقباله عليها.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ المُصَّدّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.
أي المتصدقين والمتصدقات.
{وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً}: يعني في النوافل.
{يُضَاعَفُ لَهُمْ} في الحسنات، الحسنةُ بعَشْر أمثالها.. إلى ما شاء اللهُ.
{وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}: ثوابٌ كبيرٌ حَسَنٌ. والثوابُ الكريمُ أَنَّه لا يضن بأقصى الأجْرِ على الطاعةِ- وإنْ قَلَّتْ.


قوله جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسِلهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}.
الصدِّيقون: مبالغة في الصدق، والشهداء: الذين استشهدوا في سبيل الله، فالمؤمنون بمنزلة الصديقين والشهداء- لهم أجرهم في الجنة ونورهم في القيامة.
{وَالَّذِيِنَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِئآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
والصدِّيق مَنْ استوى ظاهرُه وباطنُه.
ويقال: هو الذي يحمل الأمرَ على الأشَقِّ، ولا ينْزلُ إلى الرُّخَصِ، ولا يجنح للتأويلات.
والشهداءُ: الذين يشهدون بقلوبهم مواطن الوصلة، ويعتكفون بأسرارهم في أوطان القربة، {وَنُورُهُمْ}: ما كحل الحقُّ به بصائرهم من أنوار التوحيد.
قوله جلّ ذكره: {اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَياَةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ}.
الحياةُ الدنيا مُعَرَّضَةٌ للزوال، غيرُ لا بثةٍ ولا ماكثة، وهي في الحال شاغلةٌ عن الله، مُطْمِعةٌ وغير مُشْبِعة، وتجري على غير سَنن الاستقامة كجريان لَعِب الصبيان، فهي تُلْهي عن الصوابِ واستبصار لحقِّ، وهي تفاخرٌ وتكاثرٌ في الأوال والأولاد.
{كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفًَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونَ حُطَاماً}.
الكفار: الزُّرَّاع.
هو في غاية الحُسْنِ ثم يهيج فتراه يأخذ في الجفاف، ثم ينتهي إلى أنْ يتحطّم ويتكسَّر.
{وَفِى الأَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ}.
لأهله من الكفَّار.
{وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ}.
لأهله من المؤمنين.
{وَمَا الْحَياَةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
الدنيا حقيرةٌ- وأحقرُ منها قَدْراً طالبُها وأقلُّ منه خَطَراً المزاحم فيها، فما هي إلا جيفة؛ وطالِبُ الجيفةِ ليس له خطرٌ. وأخس أهل الدنيا مَنْ بَخِلَ بها.
وهذه الدنيا المذمومة هي التي تَشْغَلُ العبدَ عن الآخرة!

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7